فـــــن الــســيـــــــــــف
المقدمة :
إن المتصفح للتأريخ البشري، يلاحظ بامتياز مدى اهتمام الإنسان منذ القدم بآلة السيف .
فمثلا كان السيف عند العرب وسيلة للدفاع و حصنا للأمان و الاطمئنان، و قوة للردع و رمزا للشجاعة و المروءة، فهو القرين في الحياة و الصاحب في السفر، و المؤنس في الوحشة و السند في الشدائد، فعلاقة الانسان العربي بسيفه وطيدة ، حتى أصبح يتغزل به في أشعاره، و يتندر به في قصصه و أخباره، و يجعله موضع شكواه و أسراره، و يستعير صفاته في مغازلة المحبوب و عتابه، و هجو أعدائه و ملاطفة أصحابه، و يخوض به بحر الملاحم و أغواره .
فهذا الاهتمام الكبير الذي يتميز به السيف عند القدامى، و بالخصوص عند العرب، يجعلنا نتساءل باستغراب شديد، عن سبب عدم تدوين الفنيات الحركية للسيف بطريقة دقيقة عند المؤرخين العرب، و حتى عند المقاتلين أنفسهم، رغم ما نجده في الأخبار القديمة عن تدريب الجيوش و المقاتلين على أيدي أقوى الفرسان المتخصصين .
هذا الفراغ الغريب يثير العديد من التساؤلات، و يفتح مصاريع الأبواب للبحث و الاجتهاد .
ففي الصين و اليابان، فن السيف المسمى ( بــــالكاتانا ) KATANA في الفنون الدفاعية (الفنون القتالية) (*1 ) له أحكام دقيقة و حركته الفنية أنيقة و رشيقة، موثقة و مدروسة .
ففي العديد من المخطوطات الصينية و اليابانية القديمة، نجد أسماء دقيقة لحركات السيف مع الوصف التفصيلي لكل حركة على حدة .
فاهتمام اليابانيين المتخصصين في فن السيف جعلهم يطورون الحركات الفنية، و يدونونها في مخطوطاتهم، فأصبح لهم رصيد و مرجع أصيل خاص بهذا الفن على عكس العرب الذين تميزوا و تفوقوا في هذا الفن، و الدليل على ذلك حروبهم و غزواتهم التي خاضوها عبر التاريخ لكن لا نرى لهم اليوم أي أثر يذكر على مستوى الفنيات و الحركات التقنية بالسيف، وهذا جد غريب.
و لنكن عقلاء القرن الحادي و العشرين، فإن آلة السيف على أهميتها في العصور القديمة لم تعد تحظى باهتمام الإنسان المعاصر خاصة إذا نظرنا إليها كآلة للدفاع عن النفس و كأداة حربية فالتطور الإنساني في مجال الدفاع العسكري أخذ أشواط و أشواط ، ظهرت خلالها آلات حربية جديدة تغني عن آلة السيف بل ترمي به في سلة التأريخ القديم فلا نرى هذه الأداة إلا في المتاحف أو في رسوم بعض القصص و المخطوطات .
و لعله بعد مرور مائة سنة تندثر هذه التحف فنجد أحفادنا يجهلون أبسط الآلات القديمة التي تبرز تدرج التطور الإنساني .
فمن غرائب اليوم أن تجد تلميذ في السنة الثامنة عشرة من عمره يجهل آلة رحي الحبوب الحجرية ( الرحى العربي ) التي كانت تستعملها ربة البيت حتى أواخر السبعينات و لعله في بعض القرى الصغيرة سواء في الجنوب التونسي أو في الشمال الغربي لا تزال مستعملة إلى الآن .
ليس التطور أن يقطع الإنسان علاقته مع ماضيه، بل ليس من الممكن فعل ذلك، فكل ما مضى هو جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، و على الإنسان أن يستخلص و يعتبر من ماضيه لكي يتطور، فيسموا و يتألق ، فالمراتب التي وصلت إليها الإنسانية في عصرنا الحالي، لم تكن دَفْعِيَّةٌ، بل هي تدرجية مبنية على محطات زمنية متميزة، تضافرت فيها مجهودات إنسانية هدفها الأساسي سعادة الإنسان .
إن علاقتنا القديمة و المتينة بآلة السيف، ترمي على عاتقنا مسؤولية جسيمة، تتمثل في نقطتين هامتين و متلازمتين :
الأولى : الحفاظ على هذا الفن القديم (فن السيف)
و الثانية : مواكبة التطور المشهود .
إن الرياضات الدفاعية ( self-def ) عليها أن تجد الصيغة المناسبة التي تحقق لها ديمومتها ، و لا يكون ذلك إلا بالمحافظة على أصولها مع توظيف هذه الأصول بشكل من الأشكال التي تجعلها مواكبة للتطورات و منسجمة مع عصرها .
إن رياضة المونوتييزم باعتبارها طريقة حياة متميزة تعتمد على الرياضة ، تمتلك طرق تدريب متنوعة، من أهمها طريقة التدريب على فنيات السيف، وهي حركات فنية مدروسة و مبنية على فلسفة خاصة برياضة المونوتييزم، سنحاول بسطها بالتفصيل تحت ركن ( فنيات السيف و البيان الحركي للسيف ) .
رمزي شبيل
——————————————-
1* : لا أحبذ هذه التسمية المتداولة لأن غاية هذه الفنون في أصلها هو الدفاع و ليس القتال